يبدو أن لا أحد يشعر بالحياء إزاء ما تقوم به البشرية تجاه البشرية. حتى صرت أعلق على كل مأساة بكلمات باطنية
أرددها داخل نفسي، شاعراً بقرصة خفيفة في فؤادي. أحيانا أشعر بالحزن الشديد حينما أعيد التفكير
في هذه النظرية، فأكتب ساخطا.ً ثم أنسى، أنسى كثيرا، أم أنني أتجاهل؟ لا أعرف.
منذ ما يقرب السنة، إنطلق جيف بيزوس نحو السماء، في مركبة ضخمة، كأنها نيزك يرجم السماء، وتاريخ رمزي يقابل أول نزول تاريخي على سطح القمر لرائد الفضاء الأكثر شهرة آرمسترونغ والمركبة التاريخية أبولو 11. الكثير من رجال الأعمال والمشاهير يراقبون المركبة الحديدية والجة السماء، مصفقين ببهجة قليلة الحياء. حتى رمسيس الثاني الفرعون الأكبر، جلس يصفق هناك، تتملكه الغيرة لاعنا حظه في عدم إكتمال حصنه وعجزه عن بلوغ السماء:
"القليل من الشكر والمصداقية يا جيف"
في هذه الصورة لا بد من الأخذ بعين الاعتبار صراع عمالقة التكنولوجيا وتنافسهم المغرور. في سابقة رمزية من جيف والتمهيد لفكرة خطو الخطوة الأولى،وحجز مكان في "الأعلى" أكثر طمأنينة من "هنا " "الأسفل" حتى لو أتاهم بأس الطبيعة، كأن تختنق ا لكرة الأرضية أو يشتد الإحتباس الحراري، أو قنبلة دمار شامل تقود لنهاية الجنس البشري. ستكون الاستمرارية لهؤلاء الملاعين.
أشعر برغبة شديدة في تخطي المجهول، ومعرفة ما يدور داخل عقل هؤلاء الملاعين، ذلك أني أشعر بالحياء عوض عنهم. لا تفهمني خطأ، فأنا لا أريد أن أكون وصيا أخلاقيا على أي ملعون كان، فقد شاهدت مقطعا لعملية نزول المركبة في منطقة نائية غرب تكساس. آه من الأمريكان ورغبتهم في هلودة -من هوليوود- كل أنشطتهم العالمية. ماكينة حديدية ضخمة تنزل بشكل عكسي، تنحدر تجاه الأرض متدحرجة بمنطاد عملاق. في النهاية يستقر على أرض صلبة وقاحلة.
خارج المركبة يوجد عصبة من الأشخاص تتفاوت مستوياتهم الاجتماعية ودرجات طموحهم، بأعين طامعة قبعوا هناك طيلة مدة الرحلة في انتظار ملاعين السماء. ينزل من المركبة رائد أول، ببذلة زرقاء كأنه عامل استخراج نفط، يضع فوق رأسه قبعة كاوبوي صلبة الملمس وجلدية اللون. يعانق زوجته الأرضية و يقبلها. يليه بعد ذلك الفتى الشهير صاحب الثمانية عشر ربيعا، أصغر ملعون يصعد للسماء. أخيرا الأصلع جيف، يتوقف عند مدخل المركبة لوهلة، متملكا كل غرور العالم، يبدو أنه تعاقد مع أحد الفضائيين على فتح متجر أمازون في الأعلى. يضرب بيمناه كف أحد السفليين،كدليل على نجاح المهمة. أوه كونجراغليشن جيف أوه جيف كم أنت رائع، ما أجمل صلعتك يا جيف.
بعد ذلك الحدث، وكما يبدو على جميع الخائبين، علينا جميعا أن نصفق لإنجاز الإنسانية، دعونا لا نسى أولئك السفليين، من كانوا في انتظار المركبة. قدر أن يكونوا أقل درجة من رواد المركبة. عليهم الآن أن يصفقوا بحرارة وحماس وأن يتصنعوا القبل والبسمات. وكذلك سكان مدينة تكساس وبقية الولايات التسعة وأربعين الأقل درجة من من عاينوا المشهد مباشرة، ثم يأتي دورنا نحن غير المصنفين أصلا، حان دورنا بأن نغرد مكللين نجاح جيف وشلته ونجاح السفليين في الوصول لدرجة التصفيق المباشر لنزول المركبة. نحن الذين لا نقدر إلا على مقاومة رغباتنا وكبت أحلامنا، والصمود أمام قدرنا. علينا أن نخرس أمام نظرات أبنائنا تجاه تلك المركبة وأمام أحلامهم للوصول لمرتبة رائد فضائي، وأن نحني رؤوسنا وأن نبتسم كاذبين.